فصل: تفسير الآيات (106- 107):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النكت والعيون المشهور بـ «تفسير الماوردي»



.تفسير الآيات (96- 99):

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99)}
قوله عز وجل: {وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة} فيه وجهان:
أحدهما: أن اللعنة في الدنيا من المؤمنين وفي الآخرة من الملائكة.
الثاني: أنه عنى بلعنة الدنيا الغرق، وبلعنة الآخرة النار، قاله الكلبي ومقاتل.
{بئس الرِّفد المرفود} فيه ثلاث أوجه:
أحدها: بئس العون المعان، قاله أبو عبيدة.
الثاني: أن الرَّفد بفتح الراء: القدح، والرفد بكسرها ما في القدح من الشراب، حكي ذلك عن الأصمعي فكأنه ذم بذلك ما يُسقونه في النار.
الثالث: أن الرفد الزيادة، ومعناه بئس ما يرفدون به بعد الغرق النار، قاله الكلبي.

.تفسير الآيات (100- 101):

{ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)}
قوله عز وجل: {ذلك من أنباء القُرى نقصُّه عليك} فيه وجهان:
أحدهما: نخبرك.
الثاني: نتبع بعضه بعضاً.
{منها قائمٌ وحصيدٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أن القائم: العامرة، والحصيد: الخاوية قاله ابن عباس.
الثاني: أن القائم: الآثار، والحصيد: الدارس، قاله قتادة، قال الشاعر:
والناس في قسم المنية بينهم ** كالزرع منه قائم وحصيد

قوله عز وجل: {وما زادوهم غير تتبيب} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: أن التتبيب الشر، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه الهلكة، قاله قتاة. قال لبيد:
فلقد بَليتُ وكلُّ صاحب جِدّةٍ ** لبِلىً يعودُ وذاكم التتبيب

ومنه قول جرير:
عرابة من بقية قوم لوطٍ ** ألا تباً لما فعلوا تبابا

الثالث: التخسير، وهو الخسران، قاله مجاهد وتأول قوله تعالى: {تبَّتْ يدا أبي لهب} [المسد: 1] أي خسرت.

.تفسير الآيات (102- 105):

{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)}
قوله عز وجل: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه} فيه ثلاث تأويلات:
أحدها: لا تشفع إلا بإذنه.
الثاني: لا تتكلم إلا بالمأذون فيه من حسن الكلام لأنهم ملجؤون إلى ترك القبيح.
الثالث: أن لهم في القيامة وقت يمنعون فيه من الكلام إلا بإذنه.
{فمنهم شقيٌ وسعيد} فيه وجهان:
أحدهما: محروم ومرزوق، قاله ابن بحر.
الثاني: معذب ومكرم، قال لبيد.
فمنهم سعيد آخذٌ بنصيبه ** ومنهم شقي بالمعيشة قانعُ

ثم في الشقاء والسعادة قولان: أحدهما: أن الله تعالى جعل ذلك جزاء على عملهما فأسعد المطيع وأشقى العاصي، قاله ابن بحر.
الثاني: أن الله ابتدأهما بالشقاوة والسعادة من غير جزاء. وروى عبد الله بن عمر عن أبيه أنه قال: لما نزلت {فمنهم شقي وسعيد} قلت: يا رسول الله فعلام نعمل؟ أعلى شيء قد فرغ منه أم على ما لم يفرغ منه؟ فقال: «بلى على شيء قد فرغ منه يا عمر، وجرت به الأقلام ولكن كل شيء ميسور لما خلق له».

.تفسير الآيات (106- 107):

{فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)}
قوله عز وجل: {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أن الزفير الصوت الشديد، والشهيق الصوت الضعيف، قاله ابن عباس.
الثاني: أن الزفير في الحلق من شدة الحزن، مأخوذ من الزفير، والشهيق في الصدر، قاله الربيع بن أنس.
الثالث: أن الزفير تردد النفس من شدة الحزن، مأخوذ من الزفر وهو الحمل على الظهر الشدته، والشهيق النفس الطويل الممتد، مأخوذ من قولهم جبل شاهق أي طويل، قاله ابن عيسى.
الرابع: أن الزفير أول نهيق الحمار، والشهيق آخر نهيقه، قال الشاعر:
حشرج في الجوف سحيلاً أو شهق ** حتى يقال ناهق وما نهق

{خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلى ما شاء ربك} فيه ثمانية تأويلات:
أحدها: خالدين فيها ما دامت سماء الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها بعد فناء مدتها حكاه ابن عيسى.
الثاني: ما دامت سموات الآخرة وأرضها إلا ما شاء ربك من قدر وقوفهم في القيامة، قاله بعض المتأخرين.
الثالث: ما دامت السموات والأرض، أي مدة لبثهم في الدنيا، قاله ابن قتيبة.
الرابع: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من أهل التوحيد أن يخرجهم منها بعد إدخالهم إليها، قاله قتادة، فيكونون أشقياء في النار سعداء في الجنة، حكاه الضحاك عن ابن عباس، وروى يزيد بن أبي حبيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يدخل ناس جهنم حتى إذا صاروا كالحمحمة أخرجوا منها وأدخلوا الجنة فيقال هؤلاء الجهنميون»
الخامس: إلا ما شاء من أهل التوحيد أن لا يدخلهم إليها، قاله أبو نضرة يرويه مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السادس: إلا ما شاء ربك من كل من دخل النار من موحد ومشرك أن يخرجه منها إذا شاء، قاله ابن عباس.
السابع: أن الاستثناء راجع إلى قولهم {لهم فيها زفير وشهيق} إلا ما شاء ربك من أنواع العذاب التي ليست بزفير ولا شهيق مما لم يسم ولم يوصف ومما قد سمّي ووصف، ثم استأنف {ما دامت السموات والأرض} حكاه ابن الأنباري.
الثامن: أن الاستثناء واقع على معنى لو شاء ربك أن لا يخلدهم لفعل ولكن الذي يريده ويشاؤه ويحكم به تخليدُهم وفي تقدير خلودهم بمدة السموات والأرض وجهان:
أحدهما: أنها سموات الدنيا وأرضها، ولئن كانت فانية فهي عند العرب كالباقية على الأبد فذكر ذلك على عادتهم وعرفهم كما قال زهير:
ألا لا أرى على الحوادث باقيا ** ولا خالداً إلا الجبال الرواسيا

والوجه الثاني: أنها سموات الآخرة وأرضها لبقائها على الأبد.

.تفسير الآية رقم (108):

{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
قوله عز وجل: {وأمّا الذين سُعدُوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} فيها خمسة تأويلات:
أحدها: دامت سموات الدنيا وأرضها إلا ما شاء ربك من الزيادة عليها في الخلود فيها:
الثاني: إلا ما شاء ربك من مدة يوم القيامة.
الثالث: إلا ما شاء ربك من مدة مكثهم في النار إلى أن يخرجوا منها، قاله الضحاك.
الرابع: خالدين فيها يعني أهل التوحيد، إلا ما شاء ربك يعني أهل الشرك، وهو يشبه قول أبي نضرة.
الخامس: خالدين فيها إلا ما شاء ربك أي ما شاء من عطاء غير مجذوذ، فتكون {إلا} هنا بمعنى الواو كقول الشاعر:
وكلُّ أخٍ مفارقُهُ أخوه ** لعمر أبيك إلا الفرقدان.

أي والفرقدان.
{عطاءً غير مجذوذ} فيه وجهان:
أحدهما: غير مقطوع.
الثاني: غير ممنوع.

.تفسير الآيات (109- 111):

{فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آَبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (109) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (110) وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (111)}
قوله عز وجل: {وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: نصيبهم من الرزق، قاله أبو العالية.
الثاني: نصيبهم من العذاب، قاله ابن زيد.
الثالث: ما وعدوا به من خير أو شر، قاله ابن عباس.

.تفسير الآيات (112- 113):

{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113)}
قوله عز وجل: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: لا تميلوا، قاله ابن عباس.
الثاني: لا تدنوا، قاله سفيان.
الثالث: لا ترضوا أعمالهم، قاله أبو العالية.
الرابع: لا تدهنوا لهم في القول وهو أن يوافقهم في السر ولا ينكر عليهم في الجهر.
ومنه قوله تعالى: {ودّوا لو تدهن فيدهنون} [القلم: 9]، قاله عبد الرحمن بن زيد.
{فتمسكم النار} يحتمل وجيهن:
أحدهما: فيمسكم عذاب النار لركونكم إليهم.
الثاني: فيتعدى إليكم ظلمهم كما تتعدى النار إلى إحراق ما جاورها، ويكون ذكر النار على هذا الوجه استعارة وتشبيهاً، وعلى الوجه الأول خبراً ووعيداً.

.تفسير الآيات (114- 115):

{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (114) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (115)}
قوله عز وجل: {وأقم الصلاة طرفي النهار} أما الطرف الأول فصلاة الصبح باتفاق وأما الطرف الثاني ففيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه عنى صلاة الظهر والعصر، قاله مجاهد.
الثاني: صلاة العصر وحدها، قاله الحسن.
الثالث: صلاة المغرب، قاله ابن عباس.
{وزلفاً من الليل} والزلف جمع زلفة، والزلفة المنزلة، فكأنه قال ومنازل من الليل، أي ساعات من الليل، وقيل إنما سميت مزدلفة من ذلك لأنها منزل بعد عرفة، وقيل سميت بذلك لازدلاف آدم من عرفة إلى حواء وهي بها، ومنه قول العجاج في صفة بعير:
ناجٍ طواه الأين مما وجفا ** طيَّ الليالي زُلَفاً فزلفا

وفي معنى {زلفاً من الليل} قولان:
أحدهما: صلاة العشاء الآخرة، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثانية: صلاة المغرب والعشاء والآخرة، قاله الضحاك ولحسن ورواه مرفوعاً.
{إن الحسنات يذهبن السيئات} في هذا الحسنات أربعة أقاويل:
أحدها: الصلوات الخمس، قاله ابن عباس والحسن وابن مسعود والضحاك.
الثاني: هي قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، قاله مجاهد قال عطاء: وهن الباقيات الصالحات.
الثالث: أن الحسنات المقبولة يذهبن السيئات المغفورة.
الرابع: أن الثواب الطاعات يذهبن عقاب المعاصي.
{ذلك ذكرى للذاكرين} فيه وجهان:
أحدهما: توبة للتائبين، قاله الكلبي.
الثاني: بيان للمتعظين، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «واتبع السيئة الحسنة تمحها» وسبب نزول هذه الآية ما روى الأسود عن ابن مسعود قال: جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني عالجت امرأة في بعض أقطار المدينة فأصبت منها دون أن أمسّها وأنا هذا فاقض فيّ ما شئت. فقال له عمر: لقد سترك الله لو سترت على نفسك. ولم يردّ عليه النبي صلى الله عيله وسلم شيئاً. فنزلت هذه الآية: {إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذركى للذاكرين} فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليه فقال عمر: يا رسول الله أله خاصة أم للناس كافة؟ فقال: «بل للناس كافة» قال أبو موسى طمحان: إن هذا الرجل أبو اليسر الأنصاري وقال ابن عابس هو عمرو بن غزية الأنصاري، وقال مقاتل: هو عامر بن قيس الأنصاري.